فصل: تفسير الآيات (66- 67):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم التنزيل المشهور بـ «تفسير البغوي»



.تفسير الآيات (50- 53):

{فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ (50) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الأجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (51) قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (52) إِنْ كَانَتْ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ (53)}
قوله عز وجل: {فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً} أي: لا يقدرون على الإيصاء. قال مقاتل: عجلوا عن الوصية فماتوا {وَلا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ} ينقلبون، والمعنى أن الساعة لا تمهلهم لشيء. {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ} وهي النفخة الأخيرة نفخة البعث، وبين النفختين أربعون سنة {فَإِذَا هُمْ مِنَ الأجْدَاثِ} يعني: القبور واحدها: جدث {إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ} يخرجون من القبور أحياء، ومنه قيل للولد: نسل لخروجه من بطن أمه.
{قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا} قال أبي بن كعب، وابن عباس، وقتادة: إنما يقولون هذا لأن الله تعالى يرفع عنهم العذاب بين النفختين فيرقدون فإذا بعثوا بعد النفخة الأخيرة وعاينوا القيامة دعوا بالويل.
وقال أهل المعاني: إن الكفار إذا عاينوا جهنم وأنواع عذابها صار عذاب القبر في جنبها كالنوم، فقالوا: يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا؟ ثم قالوا: {هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ} أقروا حين لم ينفعهم الإقرار. وقيل: قالت الملائكة لهم: {هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون}.
قال مجاهد: يقول الكفار: {من بعثنا من مرقدنا}؟ فيقول المؤمنون: {هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون}. {إِنْ كَانَتْ} ما كانت {إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً} يعني: النفخة الآخرة {فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ}.

.تفسير الآيات (54- 58):

{فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلا تُجْزَوْنَ إِلا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (54) إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ (55) هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الأرَائِكِ مُتَّكِئُونَ (56) لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ (57) سَلامٌ قَوْلا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (58)}
{فاليومَ لا تُظلمُ نفسٌ شيئًا ولا تُجزونَ إلا ما كنتم تعملون}.
{إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ} قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو {في شغل}، بسكون الغين، والباقون بضمها، وهما لغتان مثل السُّحْت والسُّحُت.
واختلفوا في معنى الشغل، قال ابن عباس: في افتضاض الأبكار، وقال وكيع بن الجراح: في السماع.
وقال الكلبي: في شغل عن أهل النار وعما هم فيه لا يهمهم أمرهم ولا يذكرونهم.
وقال الحسن: شغلوا بما في الجنة من النعيم عما فيه أهل النار من العذاب.
وقال ابن كيسان: في زيارة بعضهم بعضا. وقيل: في ضيافة الله تعالى.
{فَاكِهُون} قرأ أبو جعفر: {فكهون} حيث كان، وافقه حفص في المطففين؛ وهما لغتان مثل: الحاذر والحذر أي: ناعمون. قال: مجاهد والضحاك: معجبون بما هم فيه. وعن ابن عباس قال: فرحون.
{هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ} أي: حلائلهم {فِي ظِلالٍ} قرأ حمزة والكسائي: {ظلل} بضم الظاء من غير ألف جمع ظله وقرأ العامة: {في ظلال} بالألف وكسر الظاء على جمع ظل {عَلَى الأرَائِكِ} يعني السرر في الحجال، واحدتها: أريكة. قال ثعلب: لا تكون أريكة حتى يكون عليها حجلة {مُتَّكِئُون} ذوو اتكاء.
{لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ} يتمنون ويشتهون.
{سَلامٌ قَوْلا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} أي: يسلم الله عليهم قولا أي: يقول الله لهم قولا.
أخبرنا أبو سعيد أحمد بن إبراهيم الشريحي، أخبرنا أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي، أخبرنا عبد الخالق بن علي بن عبد الخالق المؤذن، حدثني أبو بكر أحمد بن محمد بن موسى الملحمي الأصفهاني، أخبرنا الحسن بن أبي علي الزعفراني، أخبرنا ابن أبي الشوارب، أخبرنا أبو عاصم العباداني، أخبرنا الفضل الرقاشي، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بينا أهل الجنة في نعيمهم إذ سطع لهم نور فرفعوا رؤوسهم، فإذا الرب عز وجل قد أشرف عليهم من فوقهم، فقال: السلام عليكم يا أهل الجنة، فذلك قوله: {سلام قولا من رب رحيم} فينظر إليهم وينظرون إليه، فلا يلتفتون إلى شيء من النعيم ما داموا ينظرون إليه حتى يحتجب عنهم فيبقى نوره وبركته عليهم في ديارهم».
وقيل: تسلم عليهم الملائكة من ربهم.
قال مقاتل: تدخل الملائكة على أهل الجنة من كل باب يقولون: سلام عليكم يا أهل الجنة من ربكم الرحيم.
وقيل: يعطيهم السلامة، يقول: اسلموا السلامة الأبدية.

.تفسير الآيات (59- 62):

{وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (59) أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60) وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (62)}
{وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ} قال مقاتل: اعتزلوا اليوم من الصالحين. قال أبو العالية: تميزوا. وقال السدي: كونوا على حدة. وقال الزجاج: انفردوا عن المؤمنين. قال الضحاك: إن لكل كافر في النار بيتًا يدخل ذلك البيت ويردم بابه بالنار فيكون فيه أبد الآبدين لا يرى ولا يرى.
{أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ} ألم آمركم يا بني آدم {أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ} أي: لا تطيعوا الشيطان في معصية الله {إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} ظاهر العداوة.
{وَأَنِ اعْبُدُونِي} أطيعوني ووحدوني {هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ}.
{وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلا كَثِيرًا} قرأ أهل المدينة، وعاصم: {جبلا} بكسر الجيم والباء وتشديد اللام، وقرأ يعقوب: {جبلا} بضم الجيم والباء وتشديد اللام، وقرأ ابن عامر، وأبو عمرو بضم الجيم ساكنة الباء خفيفة، وقرأ الآخرون بضم الجيم والباء خفيفة، وكلها لغات، ومعناها: الخلق والجماعة أي: خلقا كثيرًا {أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ} ما أتاكم من هلاك الأمم الخالية بطاعة إبليس، ويقال لهم لما دنوا من النار:

.تفسير الآيات (63- 65):

{هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (63) اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (64) الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (65)}
{هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} بها في الدنيا {اصْلَوْهَا} ادخلوها {الْيَوْمَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} هذا حين ينكر الكفار كفرهم وتكذيبهم الرسل، فيختم على أفواههم وتشهد عليهم جوارحهم.
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أخبرنا أبو الحسن محمد بن عمرو بن حفصويه السرخسي، سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة، أخبرنا أبو يزيد حاتم بن محبوب، أخبرنا عبد الجبار بن العلاء، أخبرنا سفيان عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال: سأل الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال: «هل تضارون في رؤية الشمس في الظهيرة ليست في سحاب؟» قالوا: لا يا رسول الله، قال: «فهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر ليس في سحابة؟» قالوا: لا قال: «فوالذي نفسي بيده لا تضارون في رؤية ربكم كما لا تضارون في رؤية أحدهما»، قال: «فيلقى العبد فيقول: أي عبدي ألم أكرمك؟ ألم أسودك ألم أزوجك ألم أسخر لك الخيل والإبل وأذرك تترأس وتتربع؟ قال: بلى يا رب قال: فظننت أنك ملاقي؟ قال: لا قال: فاليوم أنساك كما نسيتني، قال: فيلقى الثاني فيقول: ألم أكرمك، ألم أسودك، ألم أزوجك، ألم أسخر لك الخيل والإبل وأتركك تترأس وتتربع؟- وقال غيره عن سفيان: ترأس وتربع في الموضعين- قال: فيقول: بلى يا رب، فيقول: ظننت أنك ملاقي؟ فيقول: لا يا رب قال: فاليوم أنساك كما نسيتني، ثم يلقى الثالث فيقول؟ ما أنت؟ فيقول: أنا عبدك آمنت بك وبنبيك وبكتابك وصليت وصمت وتصدقت ويثني بخير ما استطاع قال: فيقال له: ألم نبعث عليك شاهدنا؟ قال: فيتفكر في نفسه من الذي يشهد عليَّ فيختم على فيه ويقال لفخذه: انطقي قال: فتنطق فخذه ولحمه وعظامه بما كان يعمل وذلك المنافق وذلك ليعذر من نفسه وذلك الذي سخط الله عليه».
أخبرنا أبو سعيد عبد الله بن أحمد الطاهري، أخبرنا جدي أبو سهل عبد الصمد بن عبد الرحمن البزاز، أخبرنا محمد بن زكريا العذافري، أخبرنا إسحاق بن إبراهيم الدبري، أخبرنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن بهز بن حكيم بن معاوية، عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنكم تدعون فيفدم على أفواهكم بالفدام فأول ما يسأل عن أحدكم فخذه وكفه» أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر، أخبرنا عبد الغافر بن محمد، أخبرنا محمد بن عيسى الجلودي، أخبرنا إبراهيم بن محمد بن سفيان، أخبرنا مسلم بن الحجاج، أخبرنا أبو بكر بن أبي النضر، حدثني هاشم بن القاسم، أخبرنا عبد الله الأشجعي، عن سفيان الثوري، عن عبيد المكتب، عن فضيل، عن الشعبي، عن أنس بن مالك قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك فقال: «هل تدرون مم أضحك؟» قال: قلنا الله ورسوله أعلم، قال: «من مخاطبة العبد ربه يقول: يا رب ألم تجرني من الظلم؟ قال: فيقول: بلى، قال: فيقول: فإني لا أجير على نفسي إلا شاهدا مني، قال: فيقول: كفى بنفسك اليوم عليك شهيدا وبالكرام الكاتبين شهودا قال: فيختم على فيه، فيقال لأركانه: انطقي قال: فتنطق بأعماله، قال: ثم يخلى بينه وبين الكلام، فيقول: بعدا لَكُنَّ وسحقًا فعنكن كنت أناضل».

.تفسير الآيات (66- 67):

{وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ (66) وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلا يَرْجِعُونَ (67)}
قوله عز وجل: {وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ} أي: أذهبنا أعينهم الظاهرة بحيث لا يبدو لها جفن ولا شق، وهو معنى الطمس كما قال الله عز وجل: {ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم} [البقرة- 20] يقول: كما أعمينا قلوبهم لو شئنا أعمينا أبصارهم الظاهرة {فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ} فتبادروا إلى الطريق {فَأَنَّى يُبْصِرُونَ} فكيف يبصرون وقد أعمينا أعينهم؟ يعني: لو نشاء لأضللناهم عن الهدى، وتركناهم عميا يترددون، فكيف يبصرون الطريق حينئذ؟ هذا قول الحسن والسدي، وقال ابن عباس، وقتادة، ومقاتل، وعطاء: معناه لو نشاء لفقأنا أعين ضلالتهم فأعميناهم عن غيهم، وحولنا أبصارهم من الضلالة إلى الهدى فأبصروا رشدهم {فَأَنَّى يُبْصِرُونَ} ولم أفعل ذلك بهم؟
{وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ} يعني: مكانهم: يريد: لو نشاء لجعلناهم قردة وخنازير في منازلهم، وقيل: لو نشاء لجعلناهم حجارة، وهم قعود في منازلهم لا أرواح لهم. {فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلا يَرْجِعُونَ} إلى ما كانوا عليه، وقيل: لا يقدرون على ذهاب ولا رجوع.

.تفسير الآيات (68- 69):

{وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ (68) وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ (69)}
{وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ} قرأ عاصم وحمزة: {ننكسه} بالتشديد، وقرأ الآخرون بفتح النون الأولى وضم الكاف مخففا، أي: نرده إلى أرذل العمر شبه الصبي في أول الخلق.
وقيل: {ننكسه في الخلق} أي: نضعف جوارحه بعد قوتها ونردها إلى نقصانها بعد زيادتها. {أَفَلا يَعْقِلُونَ} فيعتبروا ويعلموا أن الذي قدر على تصريف أحوال الإنسان يقدر على البعث بعد الموت.
قوله تعالى: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} قال الكلبي: إن كفار مكة قالوا: إن محمدًا شاعر، وما يقوله شعر، فأنزل الله تكذيبًا لهم: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} أي: ما يتسهل له ذلك، وما كان يتزن له بيت من شعر، حتى إذا تمثل ببيت شعر جرى على لسانه منكسرًا.
أخبرنا أبو سعيد الشريحي، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي، أخبرني الحسين بن محمد الثقفي، حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان، حدثنا يوسف بن عبد الله بن ماهان، حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتمثل بهذا البيت: كفى بالإسلام والشيب للمرء ناهيًا فقال أبو بكر: يا رسول الله إنما قال الشاعر:
كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيًا

ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كفى بالإسلام والشيب للمرء ناهيًا، فقال أبو بكر وعمر: أشهد أنك رسول الله، يقول الله تعالى: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن أبي شريح، أخبرنا أبو القاسم البغوي، أخبرنا علي بن الجعد، حدثنا شريك، عن المقدام بن شريح، عن أبيه قال: قلت لعائشة: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتمثل بشيء من الشعر؟ قالت: كان يتمثل من شعر عبد الله بن رواحة.
قالت: وربما قال: ويأتيك بالأخبار من لم تُزَوِّدِ وقال معمر عن قتادة: بلغني أن عائشة سئلت: هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يتمثل بشيء من الشعر؟ قالت: كان الشعر أبغض الحديث إليه، قالت: ولم يتمثل بشيء من الشعر إلا ببيت أخي بني قيس طرفة:
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا ** ويأتيك بالأخبار من لم تزود

فجعل يقول: «ويأتيك من لم تزود بالأخبار» فقال أبو بكر رضي الله عنه: ليس هكذا يا رسول الله، فقال: «إني لست بشاعر ولا ينبغي لي».
{إِنْ هُوَ} يعني: القرآن {إِلا ذِكْرٌ} موعظة {وَقُرْآنٌ مُبِينٌ} فيه الفرائض والحدود والأحكام.

.تفسير الآيات (70- 72):

{لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ (70) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ (71) وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ (72)}
{لِيُنْذِر} قرأ أهل المدينة والشام ويعقوب {لتنذر} بالتاء وكذلك في الأحقاف، وافق ابن كثير في الأحقاف أي: لتنذر يا محمد، وقرأ الآخرون بالياء أي لينذر القرآن {مَنْ كَانَ حَيًّا} يعني: مؤمنا حي القلب؛ لأن الكافر كالميت في أنه لا يتدبر ولا يتفكر {وَيَحِقَّ الْقَوْلُ} ويجب حجة العذاب {عَلَى الْكَافِرِينَ}.
قوله عز وجل: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا} تولينا خلقه بإبداعنا من غير إعانة أحد {أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ} ضابطون قاهرون، أي: لم يخلق الأنعام وحشية نافرة من بني آدم لا يقدرون على ضبطها، بل هي مسخرة لهم.
وهي قوله: {وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ} سخرناها لهم {فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ} أي: ما يركبون وهي الإبل {وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ} من لحمانها.